الجمعة، 29 مارس 2019

كلنا مخطئين بطريقة ما ..

مقدمة:
يقول جورج كارلين: "هل لاحظت أن كل من يقود سيارته أبطأ منك فهو أخرق، وأن كل من يقودها أسرع متهور؟!! "

تلك المقولة تختصر الكثير .. تختصر كيف يرى الإنسان نفسه دائماً على صواب وكل شخصاً آخر مخطئ ..





أؤمن بأن مثلما داخل كل شخص بذرة خير توجد بذرة آخرى ولكنها تمثل الشر وإن لم تكن ظاهرة للآخرين ..


تلك البذرة أو ذاك الوحش الكاسر يخرج في مواقف متعددة .. يظهر في إختلاف الآراء مثلا .. يتشكل بأشكال مختلفة كسخرية من رأي مخالف وإستنقاص منه .. كعنصرية في التعامل مع الأشخاص الأضعف منه .. كرد السيئة بأسوء .. كأن يمارس الشخص تصرفاً سيء مع آخر بعذر أنه تلقى نفس التصرف الخاطئ من ذاك الشخص وكأن السوء وُجِدَ لنقلده ..


رد السيئة بأسوء يكون في مواقف متعددة مثلاً حين تقود مركبتك ويدخل في مسارك شخصاً دون تنبيه فتطلق بوق السيارة بعصبية فيخرج يده من النافذة ملوحاً بغضب رغم أنه هو المخطأ ثم تقفون بجانب بعض أمام الإشارة الحمراء فينزل كل منكم نافذته ويبدأ الحديث الذي قد يتطور وربما يصل حد الشجار .. مع أن من الممكن تجاوز الموقف بطرق مختلفة لا تؤدي إلى أي مشاكل ..
.




خلق الله كل شخص بقدرات متفاوتة .. فمن الناس من يمتاز بالذكاء الحاد ولكنه سيء في التخطيط .. ومنهم البطيء في إستيعاب الأمور ولكنه يمتاز في جوانب آخرى ..


أستوقفني موقف ما قال شخص لآخر لم يفهم حديثاً ما بأنه غبي .. ففكرت الغباء هو فالأصل جهل لذا يعتبر كل الناس أغبياء في هذه الحالة .. فأول مرة تحاول حل مشكلة ما وفشلت أنت تعتبر جاهلاً حتى تصل لطريقة للوصول إلى الحل أو يشرح لك شخصاً آخر الطريقة ..





هل سمعت عن تجربة تلك الفتاة التي وقفت ساعات أمام الجمهور مع أعطائهم كل الحرية لعمل مايشاؤون .. بدأت التجربة بمواقف جميلة كإعطائها الزهور ثم إنتهت التجربة بوحشية كبيرة .. إنتهى الحال بتلك الفتاة ممزقة الثياب تملؤها الجروح ..


هل قرأت عن التجربة التي توقفت قبل إنتهاء نصف وقتها .. حيث تم أعطاء أشخاص سلطة السجان وكان النصف الآخر هم المساجين .. ظهر الوحش الكاسر داخل كل سجان ومارس السلطة بأبشع الطرق حتى إنهار المساجين ..




بالمناسبة الوحش لا يظهر فقط عندما يصبح الشخص في موقف قوة .. مثال: يجلس أحد الأشخاص مكتئباً منطوياً على حاله .. يقترب منه آخر يحاول التخفيف عنه بكلمات أو افعال .. فينتفض المكتئب من مكانه ويتحرك كالإعصار يدمر من أراد المساعدة بكلمات أو غيرها ثم يعود إلى صمته .. هو اشبه بالجندي الجريح الذي يرى شخص قادم لمساعدته فيرمي عليه قنبلة ترديه قتيلاً ..




كم من المواقف التي تظهر بذرة الشر فينا رغم أننا نكاد نقسم بأنها ليست موجودة .. نتعامل أحياناً مع النقاشات بأنها حرب ونكون أسعد الناس حين ننتصر .. نتعامل مع أخطاء الآخرين وكأنها كبائر أما أخطاءنا فهي مجرد أشياء بسيطة لا تستدعي كل هذا الغضب ..




ندعي عدم العنصرية ولكن التصرفات تظهر معدن الإنسان .. والأبسط من ذاك راقب نفسك حين تتعامل مع شخص من نفس جنسيتك وحين تتعامل مع شخصاً لا يملك جزء مما تملك .. حتى حديثنا عن عدم العنصرية ممتلئ بالعنصرية دون أن نشعر ..



يتعامل بعض الناس مع الآخرين على أنهم مجرد فتات لا يستحقون شيئاً فصاحب العمل يتأخر على الموظفين بالراتب الشهري .. لا يبالي بهم ولا بأحوالهم ولا يضع نفسه مكانهم وكأنهم مجرد آلات تعمل لتنجز .. مع أن حتى الآله تحتاج لمصدر كهربائي لتعمل ..



الأغلب لا يتقبلون الأختلاف سواء كان فالتصرفات أو بالأفكار .. فالأهل يغضبون أشد الغضب حين يقرر الأبناء سلك طريق آخر وكأنهم خرجوا عن الصراط المستقيم ..



وحين يكبر الشخص يتحول لذي شخصية ذات أطباع حادة ويتوقع من الجميع أن يتحملوا ذاك الطبع الحاد والعذر هو كبر السن .. مع أن هذا الشيء لا ينطبق على الجميع فكم من شخص مسن لازمته صفة الهدوء حتى رحل بسلام .. وكم من عجوز أصبحت صديقة لأبنائها وبناتها ..




من الملاحظ أن ثقافة الإعتراف بالخطأ شبه معدومة في هذا الزمن .. فالإنسان يبحث لأي سبب يلقي عليه خطأه وكأن الشخص حين يعتذر عن تقصير ما يشعر بأنه يكاد يكفر .. نلقي على الآخرين أخطائنا ونجد أبسط الأعذار للتملص من الفشل وكأننا ملائكة لا نخطأ .. ولا أستثني نفسي من هذا الكلام بل أنا أكثر الناس سوءاً .. فأنا ممتلئ بالأخطاء من رأسي حتى قدماي .. اهزم بذرة الشر مرة وتهزمني مئة ..





بذرت الشر مثلها مثل بذرت الخير .. تنتظر موقفاً لتخرج .. فقط راقب نفسك وستراها إن كنت حقاً تريد أن ترى بدلاً لأن تضع الأعذار والتبريرات لنفسك ..











خاتمة:
حين تناقش شخصاً ما ولا يعجبك رأيه تنفجر كالبركان وتلقي عليه بضع كلمات جارحة وسخرية علنية .. وبعد زمن يتغير تفكيرك ويكون الرأي الذي كنت تستنقص منه سابقا تصبح مؤيداً له .. حينها من يعوض الشخص الآخر تلك الجروح التي سببتها ثورتك وكلماتك ؟ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق